أمور أخرى مهمة في تربية الناشئة

أمور أخرى مهمة في تربية الناشئة

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، في بعض الخطب الماضية تطرقنا لموضوع المنهج النبوي السديد الذي علمناه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال والناشئة، فتطرقنا حينها لعدة مسائل نافعة لايعذر أحد بجهلها في أيامنا هذه ومنها: الاهتمام بغرس العقيدة الصحيحة، والاهتمام بالصلاة، وبمبدأ الوقاية خير من العلاج، وإتاحة فرص الحوار مع الأبناء. وبقي أن نتابع أهم التوجيهات النبوية في هذا الموضوع لأهميتها القصوى.

عباد الله، إن مما يحث المنهج النبوي السديد على تبنيه في تربية الأبناء اعتماد مبدأ المحاسبة المعتدلة، فالناس في مسألة المحاسبة طرفان ووسط، منهم من يدلل الأبناء ولا يحاسبهم، فهذا تفريط مذموم، ومنهم من ديدنه المحاسبة على كل صغير وكبير، وهذا إفراط مذموم في المحاسبة، والتوسط هو المنهج النبوي في هذه القضية، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحاسب الناشئة على أخطائهم باعتدال دون إفراط أو تفريط، ولم تكن درجة المحاسبة واحدة، بل تختلف باختلاف درجة الخطأ وخطورته، وهل صاحبه مصرٌّ عليه أم تائب منه؟ وهل كان جاهلا أو متعمدا؟ إلى غير ذلك مما كان يراعيه صلى الله عليه وسلم في تربيته للناشئة، فمن ذلك محاسبته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، وكان شابا ناشئا يصلي بقومه فيطيل الصلاة بهم، فقال له صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد:” أفتان أنت يا معاذ؟؛ فلم يسكت عن خطئه، ولم يحمله أكثر مما يتحمل.

ومما هو جدير بنا اعتماده في هذا الجانب أيضا، منح الأطفال الثقة بأنفسهم، لأننا عندما نتفرس بإمعان لغالبية أطفالنا والجيل الصاعد نجد الغالبية تشكو من ضعف ثقة الأطفال والناشئة بأنفسهم، وفقدان كثير منهم لهذه الميزة المهمة، فماذا نعني بثقة الطفل في نفسه؟ نعني بذلك عباد الله احترام الطفل لذاته وشعوره بأهميتها، ولكن كيف سيشعر الطفل بذلك ونحن في كثير من الأحيان لا نشعره بالأهمية والاحترام؟، هل نسمح لأطفالنا بالتعبير عن ذواتهم ونتيح لهم فرصة الاختيار ونستأذنهم في الأمور التي تخصهم ؟ أم أن القمع والاحتقار ومصادرة الخيار وعدم الاعتبار لإذنهم –في شؤونهم الخاصة- وثقافة التسكيت هو السائد عند أكثرنا ؟

نعم عباد الله لقد صح في المتفق عليه أنه قُدِّم للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من لبن فشرب منه، وكان عن يمينه غلام وعن يساره الشيوخ، فقال للغلام:” أتأذن لي أن أعطيه من على يساري؟، فقال الغلام: لا والله لاأوثر بنصيبي منك أحدا، فتله صلى الله عليه وسلم في يمينه، أي ناوله القدح، استنبط العلماء من هذه القصة أربع إشارات تربوية في تنمية احترام الأطفال لذواتهم وإشعارهم بالأهمية، أولا: كيف يصل غلام صغير إلى الجلوس إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم بل على يمينه مباشرة، وهو أفضل القوم، وفيهم الشيوخ ؟ ثانيا: أي ثقة بالنفس تنمو حين يستأذن رسول الله غلاما صغيرا في التنازل عن حقه في الشرب بعده، وهي قضية ليست كبيرة وأساسية ؟ ثالثا: كيف وصلت الثقة في نفوس الأطفال في مدرسة النبوة إلى القدرة على رفض طلب صادر من النبي صلى الله عليه وسلم بثبات مع القدرة على التعليل المقبول ؟رابعا: الفعل أبلغ من القول في التربية، ولذا قال راوي الحديث: فتله في يمينه أي ناوله القدح ليشعره باقتناعه بحجته واحترامه له، ولم يقتصر الأمر في مدرسة النبوة على إشعار الناشئة بالأهمية والاحترام، بل كانت ثقتهم بأنفسهم تنمى من خلال التجارب العملية عبر توليتهم المسؤوليات المناسبة لقدراتهم، فها هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي بالناس وهو ناشئ صغير، لأن هذا العمل مناسب لقدراته، وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه يقود الجيش الذي فيه كبار الصحابة رضي الله عنهم وهو لم يتجاوز سبع عشرة سنة، لماذا ؟ لتنمو ثقته في نفسه ويستفيد منه المجتمع بعد ذلك، وهي مسؤولية جسيمة تتطلب الشجاعة والتضحية، وهكذا، أما اليوم فحال أكثرنا مع أطفالهم اليوم عدم الثقة بهم وعدم توليتهم أصغر المسؤوليات، ، أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح أبناءنا وأن يربيهم تربية حسنة مباركة أمين أمين أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فيا عباد الله، ومن الأمور المهمة في المنهج النبوي لتربية الأطفال التوجيه إلى السلوك الحسن، فالطفل بحاجة إلى التوجيه، لأن خبراته وتجربته في الحياة لا زالت قليلة، ولأن القلب والعقل في الغالب محل لمن يسبق إليه بالتوجيه والتعليم، لذا فقد كانت تربيته صلى الله عليه وسلم للأطفال تقوم على المبادرة بتوجيههم إلى الآداب والسلوكيات الحسنة، ومن ذلك قوله للحسن بن علي رضي الله عنهما فيما رواه الإمام الترمذي وكان طفلا:” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدقة طمأنينة والكذب ريبة”، أي : اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا، أو حلالا أو حراما، واعدل إلى ما لا شك فيه، يعني ما تيقنت حسنه وحِلَّه، وقوله أيضا للطفل عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه في المتفق عليه لما رأى يده تطيش في الصحفة:” يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”.

فمن المؤسف عباد الله أن يقل اهتمام بعض الآباء والأمهات بتوجيه أبنائهم إلى الآداب والسلوكيات الحسنة إلى درجة الصفر أحيانا، كأن يراه عدوانيا عنيفا مع أقرانه فلا يوجهه، أو يراه انطوائيا معتزلا فلا يوجهه، أو يراه مشاكسا عندما يأخذه عند بعض الضيوف، وغير ذلك من السلوكيات التي تحتاج إلى علاج وتوجيه.

نعم أيها الإخوة والأخوات هذه دون شك أمور مهمة نغفل عنها في تربية أطفالنا وهي من الأهمية بمكان، لذلك وجب التنبيه عليها والتذكير بها حتى نكون منها على بال. فامنحوا أبناءكم الوقت الكافي وجالسوهم وانزلوا إلى مخاطبة مستوى عقولهم وحاوروهم واعطفوا عليهم وعاملوهم بشفقة ورحمة وبينوا لهم ووضحوا لهم كل شيء، فلم يعد يخفى عليهم في هذا العالم شيء، والواقع الذي نعيش فيه أصبح يقتضي ذلك أكثر من أي وقت مضى، أسأل الله تعالى أن يهدينا لأقوم طريق، أمين، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *