أسباب زيادة الرزق والأسباب الموجبة للبركة فيه
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره. أما بعد فيا عباد الله، في بعض الخطب الماضية قبل شهر رمضان المبارك حدثتكم عن بعض أسباب زيادة الرزق، وفي خطبة هذا اليوم المبارك سنتابع الكلام عن تتمة الموضوع، حيث سنتكلم عن الأسباب المتبقية والأسباب الموجبة للبركة فيه، وهي مواضيع ذات قواسم مشتركة وبينها تداخل كبير. أيها الإخوة الكرام، إن من أهم أسباب زيادة الرزق شكر الله تعالى على نعمه الوافدة، قال الله تعالى:”وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد”، وشكر العبد لِلَّهِ تَعَالَى ثناؤه عَلَيْهِ بذكر إحسانه إِلَيْهِ، وقالوا أيضا في تعريفه: “أَن لا تعصى اللَّه بنعمة”، فدوام النعمة أن تستقيم على أمر الله، وأن تشكر الله عليها، واعلموا أن شكر النعمة حصن لها، وبالشكر تدوم النعم، ومن الأسباب أيضا الزواج يقول الله تعالى:”وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”، وروى الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ”. وهناك أسباب أخرى ورد الحديث بأنها جالبة للرزق، منها الإكثار من قول: لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقد ورد أنه من قال لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كل يوم مائة مرة، لم تصبه فاقة، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أصحاب السنن عن أبي ذر رضي الله عنه:” إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم” “ومن يتق الله…”، فما زال يقرؤها ويعيدها”، قال أكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي، أسر المشركون ابنا له يسمى سالما، فأتى عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه الفاقة، وقال: إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اتق الله فاصبر، وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله”، فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نكثر من قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”، فقالت: نعم ما أمرنا به، فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم وجاء بها إلى المدينة، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت الآية، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأغنام له. ومن الأسباب الأخرى المذكورة في هذا الصدد، قراءة سورة الواقعة كل ليلة، ورد أن سيدنا عثمان بن عفان، عاد ابن مسعود في مرضه، فقال: ما تشتكي؟: قال: ذنوبي، قال فما تشتهي؟ قال وجه ربي، قال: ألا ندعو لك طبيبا؟، قال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطائك، قال: منحتنيه قبل اليوم فلا حاجة لي فيه، قال: تدعه لأهلك وعيالك، قال: إني علمتهم شيئا إذا قالوه لم يفتقروا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قرأ الواقعة كل ليلة لم يفتقر”. هذا ومن الأسباب الإكثار من الدعاء، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم بعد العصر:” اللهم إني أسألك رزقا طيبا وعلما نافعا وعملا متقبلا”، وروى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ”، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي”، ومنها غسل اليدين عند حضور الغذاء ورفعه، ومنها قراءة القرآن في البيت، أخرج الإمام البزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال عليه الصلاة والسلام: “إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره”، ومنها التوسعة على العيال، ومنها طلب العلم فمن طلب العلم تكفل الله له برزقه، أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل بهذه الأسباب بمنه وفضله وكرمه وأن يرزقنا الكفاف والعفاف والغنى عن الناس، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. الخطبة الثانية: الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد فياعباد الله، ثبت في الكثير من الأحاديث الصحيحة أن الله عز وجل بارك لعبد الرحمن بنِ عوف في تِجارتِه، فكان لا يشتري شيئًا إلاَّ ربِح فيه، حتَّى قال عن نفْسِه مُتَعجِّبًا: “لقد رأيتُني لو رفعتُ حجرًا، لوجدتُ تَحتَه فضَّة وذهبًا”، فمامعنى البركة في الرزق؟ وكيف تكون؟ وبماذا تزيد وبماذا تنقص؟ أيها الإخوة الكرام البركة هي الزيادة والنماء وكثرة الخير، وهناء العيش، والكفاية في كل شيء، فاالله تعالى إذا أراد بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم. والبركة نوعان: فقد تكون جلية، وقد تكون خفية، فالبركة الجلية هو ما يشاهد كثيرًا بالعادة من كثرة الخير وسوق الرزق للإنسان، ونمائه عند صاحبه وما يرافق ذلك من توفيق، وتيسير في الحصول على الرزق ونحوه، والبركة الخفية تكون بدفع المضرات والجوائح والآفات عن الرزق، وعدم تعرض الإنسان للحوادث والأمراض الخطيرة، ونحوه مما يأتي على جانب كبير من رزقه، وقد ذكروا بأن الغنم أو الأنعام إذا أنتجت الإناث فهذا من البركة الخفية، لأنها تنمو وتتضاعف، وإذا أنتجت الخراف أو الذكور فهذا من المحق الخفي. أخرج الإمام مالك وغيره أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، هاجر إلى المدينة تاركاً كل أمواله في مكة، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: تَعَالَ حَتَّى أُقَاسِمَكَ مَالِي، وَأَنْزِلَ لَكَ عَنْ أَيِّ امْرَأَتَيَّ شِئْتَ، فَأَكْفِيكَ الْعَمَلَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّوُنِي عَلَى السُّوقِ”، ودخل ابنُ عَوفٍ سوقَ المدينة وعمره ثلاثٌ وأربعون سَنَة، وكان صنَّاع السّوق وسَمَاسِرته من يهود بني قينقاع، فلم يثْنِ ذلك من عزيمتَه، بل زاحمَ في السُّوق واشترى وباع وربح وادَّخر، سأله أحد أصحابه: “بِمَ أدركتَ من التِّجارة ما أدْركتَ؟ فقال: “لأنِّي لم أشترِ معيبًا، ولم أُرِد ربحًا كثيرًا، والله يبارك لِمَنْ يشاء. أيها الإخوة الكرام، يبارك عز وجل لمن رزق الإيمان والتقوى واليقين وحسن التوكل والقناعة والرضا وشكر الله تعالى على نعمه، يبارك لمن يحرص على الكسب الحلال والصدق والأمانة في التعامل والعدل وعدم الظلم، يبارك لمن يقرأ القرآن ويداوم على الدعاء والاستغفار والصدقة والبر وصلة الرحم والقصد وعدم الإسراف، فهذه على الجملة أسباب تحصيل البركة في الأرزاق والعكس بالعكس، اللهم لاتعدمنا البركة في كل أمورنا ما علمنا منها وما لم نعلم، أمين والحمد لله رب العالمين. الدعاء.