أسباب انسياق الشباب وراء الفاحشة وأهم العلاجات لهذه الحالة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك،
اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (أفمن كان مومنا كمن كان فاسقا لا يستوون).
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ”.
أيها الإخوة الكرام، في إطار خطبنا المتسلسلة، المتعلقة بملامسة بعض قضايا الشباب، فإننا سنتابع في خطبة هذا اليوم المبارك الجواب عن سؤالين مهمين يطرحهما الكثير من الشباب، أولهما ما هي أسباب انسياق الشباب وراء هذه الإباحية التي عمت؟ والسؤال الثاني: ما هو الدواء الناجع لحالة الشباب هذه؟
أيها الإخوة الكرام، فبخصوص السؤال الأول، أقول: إن السبب الأول في انسياق الشباب وراء هذه الإباحية التي عمت يعود لضعف الإيمان، فالإيمان أس الفضائل ولجام الرذائل، إن الإيمان بالله عز وجل هو الضمانة والوقاية من المعصية، وهو الصخرة التي تتحطم عليها شهوات النفس الجامحة، فكلما ضعف إيمان العبد كان أكثر جرأة على محارم الله، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن العبد لا يواقع الفاحشة إلا حين يؤتى من ضعف إيمانه، ففي المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن”، وأنا حينما أتحدث عن الزنا أقصد به كل مستوياته، فالعين تزني، وزناها النظر، واللسان يزني وزناه الكلام، واليد تزني وزناها اللمس، وهناك الزنا الأكبر، فمن أراد أن يتحصن من هذه الانحرافات التي شاعت بين الناس فعليه بتقوية إيمانه، عليه بلزوم مجالس العلم، عليه بأن يكون محاطاً بمؤمنين أطهار.
والسبب الثاني في هذا الشرود والتيهان هو جليس السوء، يقول الله عز وجل: (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا)، هذا الكلام يقال يوم القيامة، فالإنسان عليه أن يختار أصدقاءه، ومن يتعامل معهم، ومن يسهر معهم، ومن يلتقي معهم، فإذا كانوا شاردين عن الله عز وجل يزيّنون للإنسان المعصية، ويبغضون له الطاعة، فهؤلاء: (ومن يتولهم منكم فإنهم منهم)، ورد في المتفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”، فانظر من تحب، هل تحب مؤمناً أم فاسقاً؟ فحينما تشعر أن هذا الصديق يزيّن لك المعصية، وأن هذا الصديق ليس ملتزماً، وأن هذا الصديق يبغضك بالطاعة فلا ينبغي أن تقطعه تدريجياً، ينبغي أن تقطعه فوراً، وبشكل جدي، وإلا حصل الهلاك منه.
أيها الإخوة الكرام، والسبب الثالث في الانسياق وراء الإباحية هو إطلاق البصر، إطلاق البصر هو الشرارة التي تثير الغريزة المكبوتة، إن هذه الصور التي تخزنت في العقل الباطن تكون تحت الشعور بشكل دائم، وهي التي تحمس الإنسان لارتكاب المعصية، لذلكم قال تعالى: (قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)، قال بعض العلماء: النظرة تولد الخاطرة، والخاطرة تولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، ثم تقوى الإرادة فتصير عزيمة، ثم يقع الفعل، لذلكم فالشريف النفس هو من يهرب من أول خطوة من أسباب الخطيئة، فالإنسان كما قيل شهوته كأنها صخرة مستقرة في قمة جبل، فإذا زحزحتها عن مكانها بقصد أن تنحدر في الجبل متراً أو مترين فلابد أن تستقر في قعر الوادي، فالقوة أن تبقي هذه الشهوة صلبة في مكانها، لا أن تزحزحها بقصد حركة بسيطة، ثم تفاجأ بالوصول إلى الفاحشة الكبرى.
وهناك سبب آخر رابع وهو الوحدة والفراغ، نفسك أيها الإنسان إن لم تشغلها بحق شغلتك بباطل، أخطر شيء عند الشباب هو الفراغ، إذا ملئ وقت الشاب بدراسة جادة، أو باكتساب مهارة عالية، بنشاط دعوي، بمطالعة كتاب، بلقاء مع إخوته الكرام، حينما يمتلئ الوقت بالإيجابيات يختفي وقت السلبيات، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: “إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ، مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ”.
فما هو الدواء الناجع لحالة الشباب هذه؟ الجواب: العلاج في قوة الإيمان، هذا هو العلاج الأول، وهو أن يكون لك مرجع ديني، فالإنسان إذا كان له مرجع ديني، له مسجد يرتاده، له عالم يثق بعلمه وورعه يسأله، يستفتيه ماذا أفعل ؟ أما هذا الشارد غير المنضبط فإنه يرتكب حماقة تلو الحماقة، ولا يجد من ينصحه، لذلكم لابد من تقوية الإيمان، فمعظم الناس إنما يشقون بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
ومن العلاجات كذلك الزواج المبكر، فالشاب الذي لديه مأوى من أي نوع، وفي باله امرأة صالحة تعجبه ومناسبة له، وعنده قوت يومه، فهذا ينبغي أن يجعل من أولوياته الإقبال على الزواج، ففي المتفق عليه عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”، واستنبط السادة العلماء من الحديث ضرورة الابتعاد عن المثيرات كلها، وعن الأماكن التي تعرض فيها المرأة زينتها، وعن المجالس التي تذكر فيها مغامرات الزناة وغيرها، يقول الله عز وجل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)، وروى الإمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ، الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ”، هذا الحديث الصحيح يملأ قلب كل شاب ثقة وأملاً، وفي هذا المقام أحب أن يعلم الشباب، أن الإنسان حينما يتزوج يحصل عند الله أجراً كبيراً، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: “قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ”.
ومن العلاجات النافعة أن تختار الجلساء من الصالحين الأخيار، أصحاب الابتسامة الصادقة، أصحاب العلم الغزير، أصحاب الرحمة والشفقة على الخلق، أهل الصدق، يقول تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).
ومن العلاجات عدم تحقير صغائر الذنوب، لأن ذلك يوقع في الكبائر، فالإنسان مثلا حينما يطلق بصره، ويتوهم إطلاق البصر من الصغائر يقع في الكبائر، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم، ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم”، وروى أيضا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ”، فلا تنس أيها الشاب، ولا تنسي أيتها الشابة أنكما في معركة دائمة مع عدو لدود يدعوكما للهلاك في كل سبيل، فالشاب حينما يقع في الصغيرة، و يكرر الوقوع فيها يستمرئها، وتهون عليه، وتصبح جزءاً من عاداته، فيأتي الشيطان اللعين فيغريه بأكبر منها، وما يزال الشيطان يغريه من صغيرة إلى أكبر منها، ومن كبيرة إلى أكبر منها حتى يقع في الفاحشة ويتعود عليها.