أسباب انحباس المطر وواجب الناس اتجاه ذلك
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول عز وجل:” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا”، وروى ابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:”وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه”.
أيها الإخوة الكرام، تعلمون أنه اليوم صباحا تمت صلاة الاستسقا للمرة الثانية في كل مدننا وقرانا استجابة للأمر المولوي لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وبذلكم فإننا نسأله عز وجل أن يتقبل صلاة المصلين وتضرع الضارعين ودعاء الداعين الملحين، وهي مناسبة لنتحدث عن أسباب منع المطر وواجبنا جميعا اتجاه هذا الأمر العظيم الذي ابتلانا الله به.
أيها الإخوة الكرام، إنه شرع لنا تكرار صلاة الاستسقا، لأنه عز وجل يحب الملحين في الدعاء والمكثرين منه، ويحب من عباده أن يظهروا الافتقار إليه والتذلل بين أعتابه، وكثرة دعائه وذكره، وأنهم كلما فعلوا ذلك إلا واستجاب لهم بفضله وبحوله وقوته ما لم يعجلوا، كأن يقول أحدهم صلينا صلاة الاستسقا فلم نمطر، أو يقول دعونا فلم يستجب لنا، ويستجاب لنا مالم نستهزأ كأن يقول أحدنا إنهم رأو مسبقا في الأحوال الجوية بأن الأمطار ستسقط فهرعوا إلى الاستسقاء، ويستجاب لنا مالم نعبر عن سخطنا، هذه كلها أحوال ينتج عنها التحسر واليأس من روح الله، قال الله تعالى: “وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ”، واليأس هو قطع الرجاء وعدم الرغبة في فضل الله، وهو من كبائر الذنوب كالقنوط من رحمة الله، قال الله تعالى: “قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ”، فعلينا إذن معاشر المسلمين أن نكثر من الدعاء فرادى وجماعات، وألا نمل من تكراره، فإن رحمة الله قريب من المحسنين.
وفي هذا المقام أذكركم وأذكر نفسي بواجب وضرورة التوبة إلى الله والإقلاع عن الذنوب، فإن الذنوب تميت القلوب وتمنع نزول القطر من السماء، واعلموا أنه متى أعلنا توبتنا وإنابتنا إلى الله وتركنا السيئات وعملنا الصالحات، وابتعدنا عن أكل المحرمات، فإننا بذلكم نستنزل الرحمات، ونستنزل أسباب قبول الدعاء ونزول المطر وحلول البركات من الأرض والسموات.
أيها الإخوة الكرام، ذكر الرباني الشهير التابعي الجليل إبراهيم بن أدهم ملخصا أسباب عدم إجابة الله تعالى لدعائنا فيما روى أبو نعيم في الحلية وطبقات الأصفياء والقرطبي وغيرهم، أنه مر في سوق البصرة ذات يوم، فقال له الناس: يا أبا إسحاق، إن الله تعالى يقول: “وقال ربكم ادعوني أستجب لكم”، ونحن ندعو الله فلا يستجيب لنا! فقال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، وقرأتم القرآن ولم تعملوا به، وزعمتم حب نبيكم وتركتم سنته، وقلتم إن الشيطان لكم عدو ووافقتموه، وقلتم إنكم مشتاقون إلى الجنة ولم تعملوا لها، وقلتم إنكم تخافون النار ولم تهربوا منها، وقلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب الناس وتركتم عيوبكم، وأكلتم نعم الله ولم تؤدوا شكرها، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم، فكيف يستجاب لكم”،
أيها الإخوة الكرام، إن هذا الواقع الذي نعيشه في هذه الأيام مذكر وأي مذكر وواعظ وأي واعظ، فأين هم الذين يتذكرون؟ هذا الواقع ينادينا جميعا أن ارجعوا إلى ربكم بتوبة صادقة أن اصطلحوا معه، فإنكم إن فعلتم ذلك أبدل الله سبحانه وتعالى البأس خيرا والمصيبة نعمة والعسر يسرا، ولكننا نلتفت يمينا وشمالا فلا نرى ولا نجد من يصغي إلى رسائل الله الهابطة إلينا من سمائه في هذه الأيام، وما يعلم جنود ربك إلا هو، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى:”وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله”.
أيها الإخوة الكرام، جدير بنا ونحن نستسقي ونحن ننتظر الكرم الإلهي من مولانا وخالقنا ورازقنا، وننتظر أن يجود علينا بالمطر وبسحائب الخير، أن نعرف بعضا من الذنوب والمعاصي التي إن تلبسنا بها انحبس المطر، لنعمل على تجنبها والتوبة منها.
أول تلك الأسباب ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجة والبيهقي عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:” أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:” يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن”…فذكر منها: “ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة”، فذكر هنا التطفيف في المكيال وأنه سبب للضيق الاقتصادي، ويلحق بذلك الذين يبيعون السلع التى يمضي تاريخ صلاحيتها للناس على أساس أنها لازالت صالحة وغير ذلكم من صور الغش، وثاني الأسباب منع الزكاة، وهو سبب رئيسي لانحباس الغيث من السماء، فقد ورد في الحديث السابق ذكره، أنه صلى الله عليه وسلم قال أيضا:” ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا”.
وهناك سبب آخر توقف عنده الكثير من العلماء عندما قالوا: وكلما كثر الزنا، وقل ماء الحياء في الوجوه قل ماء السماء، وهناك سبب أخير وهو كفران النعمة، يقول سبحانه وتعالى:” وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”، هذه هي أهم الأسباب، فلنعمل على تجنبها، ولنعمل على تحريض أهلينا وذوينا وأصدقائنا وأهل مجتمعنا على الاستغفار والتوبة الصادقة والصيام والتصدق والرجوع إلى الله واحتساب كل ذلك لله تعالى، فإننا إن فعلنا فكونوا متأكدين بأنه عز وجل سيبدل حال العسر باليسر، وسيكرمنا بالغيث والمطر النافع، كما ينبغي أن ندعو الله لإخواننا الشاردين والتائهين عن رحابه أن يردهم الله إلى دينه وطريقه ردا جميلا، وأن يملأ قلوبهم محبة له ولرسوله، هؤلاء لاينبغي أن نكرههم، هؤلاء ينبغي أن ندعو الله لهم، اللهم لا تحاسبنا بما نفعله ولا بما يفعله السفهاء منا، اللهم هب طالحنا لصالحنا فإن لم يكن فينا صالح فهبنا جميعا لسعة فضلك ورحمتك، آمين والحمد لله رب العالمين.
الدعاء.