آفات اللسان -2-

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، ونهاه عن الغيبة والنميمة  والكذب وآفات اللسان، نحمده تعالى ونشكره على ما أولانا به من فضل وإحسان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها دخول الجنان، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان شعارهم الصدق والإيمان وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الليالي وتوالت الأزمان، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الأسبوع الماضي بدأنا الحديث عن آفات اللسان، وذكرنا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اقوال الصحابة والتابعين وبعض الحكماء أقوالهم في خطورة اللسان وما يجنيه على صاحبه إن لم يسخره في الأمور التي ترضي الله تعالى، واليوم بحول اللله تعالى نتم هذا الموضوع حول آفات اللسان فنقول: إن آفات اللسان لكثيرة، وأخطاءه لمتنوعة، وإن من أخطر آفات اللسان التي ينبغي تجنبها الغيبة والنميمة، وهما من أكبر الذنوب، والغيبة كما تعلم ذكرك أخاك في وقت غيبته بما يكره، والنميمة نقل الحديث بين الناس بقصد الإفساد والتفرقة، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل الميتة فقال: “ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم”، وفي الحديث:”إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنى، وإن الرجل قد يزني ويتوب، ويتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه”، كما أخبر صلى الله عليه وسلم أن النمام يعذب في قبره، وأنه لا يدخل الجنة يوم القيامة فقد روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان (ض) أنه صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل الجنة نمام”، والنمام هو الذي يفسد بين الناس باللسان ويزرع في القلوب الأحقاد والأضغان، ويهدم البيوت، ويخرب الأوطان، قال تعالى: “ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم، أن كان ذا مال وبنين، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين”. عن معاذ ابن جبل (ض) قال: قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال صلى الله عليه وسلم: “لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين، وتلا قول الله تعالى: “تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون”، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول الله، قال: كف عليك هذا، وأمسك بلسانه، فقلت يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال تكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم”. وحصائد الألسنة جناياتها على خلق الله من التشهير بهم وذكر مساوئهم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات من نسائهم، والتحدث عنهم في غيبتهم بما يسيء إليهم، ويخل بسمعتهم، والتقليل من قيمتهم، وجعلهم يصغرون في عيون أصدقائهم، والرسول صلى الله عليه وسلم ينصح أصحابه فيقول لهم: “لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”. وقال صلى الله عليه وسلم: “الربا إثنان وسبعون بابا أدناها مثل أن ياتي الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه”، وقال صلى الله عليه وسلم: “النميمة والشتيمة والحمية في النار”، فلا ينبغي إذا أن يكون الإنسان منقطع الصلة بربه، ولا بإخوانه، يعصي أوامر ربه ويسعى في الشقاق والفرقة والقطيعة بين خلانه، فهذا تصرف غير سليم، ولا يليق بإنسان حكيم، وذلك أن الإسلام يؤلف ولا ينفر، ويجمع ولا يفرق، وليست الحياة لفرد بعينه يحبها لنفسه ويكرهها لغيره، وإنما هي للناس جميعا، و”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، وشر الخلق عند الله ذو الوجهين وذو اللسانين.  فاحفظوا إخواني ألسنتكم وزنوا أقوالكم فإن الإنسان قبل أن يتكلم يملك كلامه، فإذا تكلم ملكه كلامه. أقول قولي هذا وأستغفر اله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

قال الإمام أبو حامد الغزالي معرفا آفات اللسان: “…وعلم ما يحمد فيه إطلاق اللسان أو يذم غامض عزيز والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقل عسير وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان فإنه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان” وذكر الغزالي من أنواع آفات اللسان عشرون آفة منها الكلام فيما لا يعنى، وآفة فضول الكلام، وآفة الخوض في الباطل، وآفة المراء والجدال، وآفة الخصومة، وآفة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه وغير ذلك مما جرت به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة ثم آفة الفحش والسب وبذاءة اللسان ثم آفة اللعن إما لحيوان أو جماد أو إنسان ثم آفة الغناء، ثم آفة المزاح ثم آفة السخرية والاستهزاء، وآفة إفشاء السر، وآفة الوعد الكاذب، وآفة الكذب في القول واليمين، وآفتي الغيبة والنميمة، وآفة ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين فيكلم كل واحد بكلام يوافقه، وآفة المدح، وآفة الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته ويرتبط بأصول الدين ثم آفة سؤال العوام عن صفات الله عز وجل وعن الحروف أهي قديمة أو محدثة وهي آخر الآفات، هكذا أيها الإخوة المؤمنون ترون أن هذا اللسان الصغير في حجمه عظيم في جرمه، ينبغي ترويضه على الوقوف عند طلب رضوان ربه، فإذا سلم اللسان سلم صاحبه وإن زل اللسان زل صاحبه. الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *