آداب المصلي يوم الجمعة
آداب المصلي يوم الجمعة
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة سيد الأيام، وجعله عيدا أسبوعيا لأهل الإسلام، واختص به هذه الأمة من بين الأنام، نحمده تعالى على نعمه العظام، ونشكره على ما أولانا به من الجود والإكرام، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المقدم على الأنبياء وخاتم الرسل الكرام، القائل: “خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة” صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبت الليالي وتوالت الأيام، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمعة الماضية، تكلمنا عن فضل يوم الجمعة، وعن مكانته عند المسلمين، واصطفاء الله تعالى لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن هداها ليوم الجمعة، وذكرنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وبعض خصائص هذا اليوم من قراءة القرآن خاصة سورة الكهف ليلتها، وسورة حم السجدة والإنسان في صباحها، إضافة إلى الإكثار من الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والإغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب والتبكير إلى المسجد لحضور الصلاة، مصداقا لما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها”، واليوم ايها الإخوة الصالحون، نذكر أنفسنا وإياكم بأن حضور الجمعة والإنصات للخطبة أمر مقصود للضرورة، لأن الخطبة تذكير للمستمع، وتعليم للجاهل، وموعظة للغافل، والله تعالى يقول: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، عباد الله، من الأخطاء التي يقع فيها كثير من إخواننا المصلين أنهم يأتون يوم الجمعة متأخرين والإمام يخطب فيجلسون إلى أن ينتهي الإمام من الخطبة الأولى فيقومون لأداء سنة تحية المسجد بين الخطبتين، وهذا أمر مخالف لهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يأمر من دخل المسجد بصلاة ركعتين قبل الجلوس، وعلى التجوز فيهما حتى لا يشغل نفسه عن الإستماع للخطبة ولا يشوش على إخوانه بجانبه، وقد تكلم علماء الأمة بجميع مذاهبهم عن الأمر الذي وجهه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي جاء متأخرا يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فجلس فأمره صلى الله عليه وسلم بأن يصلي ركعتين بأن هذا الأمر خاص بهذا الصحابي لأنه جاء للمسجد بحالة رثة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام ليرى الناس حاله ويتصدقوا عليه، لأنه لما أمره بالصلاة خطب الناس وحثهم على الصدقة، ومن الثابت فقها عندنا نحن المالكية أن دخول الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام، وهذا ما كان عليه أهل المدينة المنورة على آخر عهدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وللجمع بين الأمر بصلاة ركعتين خفيفتين تحية للمسجد والنهي عن الصلاة والإنشغال عن الخطبة يوم الجمعة نقول وهذا كلام جمع غفير من العلماء أفتوا به إخواننا السائلين، لا بأس بأن يحرص الإنسان على سنة تحية المسجد ولكن من كان فاعلها فليفعلها بمجرد دخوله للمسجد يوم الجمعة قبل الجلوس، أما إذا جلس فلا يقم بين الخطبتين لأدائها لأن الواجب والفرض هو الإنصات للخطبة.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: “أفضل العبادة العمل على مرضاة الله عز وجل في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فمثلاً أفضل العبادات في وقت الجهاد هو الجهاد وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام الصلاة المفروضة مع الإمام، والأفضل وقت الأذان تركُ ما هو فيه من الأوراد ومتابعة المؤذن بما يقول”، وهكذا فالأفضل إذًا في حال الجمعة والإمام يخطب الاسمتاع إلى الخطبة، فعلى الداخل للمسجد والمؤذن يؤذّن الأذان الثاني الأفضل له أن يشرع في أداء ركعتي تحية المسجد، ولا يقف ينتظر حتى ينتهي المؤذّن، لأن المؤذن إذا انتهى بدأ الإمام يخطب، والأفضل للمصلي في هذه الحالة الاستماع للخطبة، فتعين إذًا أداء تحية المسجد خفيفة أثناء الأذان إذا دخل والمؤذن قد شرع فيه حتى يتفرغ المصلي لاستماع الخطبة، فاتقوا الله في أنفسكم يا عباد الرحمان، واحرصوا وبكروا وليكن حضوركم للجمعة حضور المتفكر المتأدب المتعلم، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، أمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، إن من خصائص يوم الجمعة صلاة الجمعة التي هي من آكد فرائض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين على الدوام، فمن تركها تهاونا بها واستخفافا بقدرها طبع الله على قلبه كما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، “من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه”، أي ختم الله على قلبه فلا يدخله نور ولا خير، ولا يأمن من أي انتقام ومكر وضير، ومن صلاها وحافظ عليها كفرت عنه من الذنوب الصغائر ما بينها وبين الجمعة الأخرى، وأما الذنوب الكبائر فلا تكفر إلا بالتوبة منها، وهنا يغلط بعض الجهال حيث يسمع أن الجمعة تكفر ما بينها وبين الجمعة الأخرى فيحافظ على صلاة الجمعة ويضيع بقية الصلوات، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، وإيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر أن الجمعة تكفر الذنوب الصغائر دون الكبائر، وترك الصلوات الخمس من أعظم الكبائر، بل هو كفر بالله فلا تكفره الجمعة بل لا تصح صلاة الجمعة ممن هذه حاله، كما ينبغي لك أن تعلم أيها المسلم أنه لا يجوز السفر في يوم الجمعة لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها، وذلك بعد دخول وقتها بزوال الشمس عن كبد سمائها، وقبل الزوال يكره السفر إلا لمن نوى صلاتها في طريقه في جامع آخر، ومن حضر إلى المسجد فلا يتخطى رقاب الناس فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له: “اجلس فقد آذيت”، وإن في الجمعة لساعة لا يوافقها سائل إلا أعطي سؤله، فعن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن في يوم الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه”، فاحرصوا إخواني على حصول فضل هذه الساعة المخفية في هذا اليوم المبارك العظيم، وذلك بالمداومة على الذكر والشكر والعبادة. وأكثروا فيه من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين. الدعاء.
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة 12 صفر 1441 موافق 11 أكتوبر 2019.