محبة الصحابة لبعضهم ونبد الكراهية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا-.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله : لقد اصطفى الله أصحاب نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- واختارهم لصحبة أفضل رسله.. حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من قبلهم ومن بعدهم..أثنى الله عليهم في الكتب المنزلة السابقة، فقال في التوراة: ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة )، ومدحهم في الإنجيل بقوله: ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه )، ووصفهم في القرآن العظيم فقال: ( تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) [الفتح: 29)
وكان السلف يعلمون أولادهم حب الصحابة وسيرتهم.. قال الإمام مالك -رحمه الله-: ” كانوا يعلموننا حب أبي بكر وعمر كما يعلموننا السورة من القرآن “.. هم صفوة الناس في الأمم، قال -عليه الصلاة والسلام-: ” خير الناس قرني” متفق عليه، وهم صفوة قرون هذه الأمة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “خير أمتي قرني” متفق عليه.. فهم خيار من خيار، منَّ الله عليهم بالصحبة فعلا قدرهم.. قال القاضي عياض -رحمه الله– ” فضيلة الصحبة -ولو لحظة- لا يوازيها عمل ولا تنال درجاتها بشيء، ولا يلحقهم أحد من هذه الأمة في السبق إلى الفضائل “.. قال ابن كثير -رحمه الله–: ” لهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة “.
عباد الله
اذا اردنا الحديث عن الصحابة رضوان الله عليهم والوقوف عند مناقبهم وفضلهم على الامة الاسلامية فلا شك ان حديثنا سيطول ولن نستطيع في خطبة واحدة ان نعطي هؤلاء الصحابة قدرهم ومكانتهم -والتي ستكون انشاء الله موضوع خطب مقبلة -لكننا وامتدادا للخطب السابقة وبعد عن وقفنا على معنى محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ارتأينا ان نعرج في هذه الجمعة المباركة على حب من نوع آخر ، انه حب الصحابة لبعضهم البعض .ذلك انهم رضوان الله عليهم فقهوا أهمية المحبة والأخوة بين بعضهم البعض دون ارتباط بنسب، ولا مال، ولا مصلحة، وفهِموا أنهم لن تكون لهم أمة، ولن يعبدوا الله حق عبادته، ولن يقوموا بأمر الاستخلاف كما ينبغي أن يكون، إلا بالمحبة والاخوة بينهم، ليقينهم ان المحبة والاخوة كما رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكما فهموها رضوان الله عليهم فهي طريق للجنة، مثل الصلاة، والصوم، والجهاد، والدعوة، واستمدوا فهمهم لهذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم.الذي يقول في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا “ وايضا من الحديث الذي رواه الترمذي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ“. من هذا المنطلق فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض بكل الحب والايثار والشفقة إذ على قدر حبهم للجنة، أحبوا بعضهم البعض، وعلى قدر اشتياقهم للجنة غفر بعضهم لبعض.
فها هو صلى الله عليه وسلم يكلمهم عن رجل من أهل الجنة في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:“كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ“.و الصحابة في منتهى الاشتياق، لمعرفة من يكون هذا الصحابي الذي يمشي على وجه الأرض وهو من أهل الجنة؟
فطلع رجل تنطف لحيته ماءً من أثر الوضوء، فتبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فبات عنده ثلاث ليالٍ، فلم يرَ عنده كثيرَ صلاة ولا صيام، فسأله الخبر، فقال له: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. .فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
والمحبة بين الصحابة كانت مسئولية، وتضحية، وبذلا، وعطاءا، وإنفاقا بلا مردود، و إيثارا على النفس، وحبا خالص من القلب، لا يراد به إلا وجه الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ سُلَامَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ“. والسلامى هو العظم، أو المِفْصَل.
فقد كانوا رضوان الله عليهم رحماء فيما بينهم فها هم الأنصار قد آثروا آثروا إخوانهم المهاجرين عليهم وقسموا الثمار معهم ، وكان جعفر أبو المساكين يعطيهم مما في بيته حتى إذا فني أخرج إليهم العكة من العسل، فشقها لهم ليلعقوا ما في باطنها، جادوا بالموجود، بل استسلفوا للصدقة، بل عملوا بأيديهم لأجل الصدقة، وآثروا الضيف على أولادهم حتى نزلت الآية في ذلك الأنصاري وامرأته لما نوموا الصبيان لأجل الضيف، وأطفأوا السراج لئلا يُحرج، وقدموا له ما في البيت، فضحك الله منهما، وعجب منهما، وإذا ضحك ربك إلى عبد فلا حساب عليه، ولا عذاب عليه، يتلقاه الله برحمته.
ولما قتل سعد بن معاذ شهيداً، تقول عائشة رضي الله عنها: “فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، فوالذي نفس محمد بيدي إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل: رُحَمَاء بَيْنَهُمْ سورة الفتح:29” رواه أحمد، وسنده جيد.
كانوا يشاركون بعضهم بعضا ، لما تيب على كعب بن مالك من تلك المقاطعة تيب عليه من تخلفه عن غزوة تبوك، جعل الناس المجتمع كله يتلقاه فوجاً بعد فوج، يهنئونه بتوبة الله عليه، سارع الصحابة إلى سد الثغرات وملئ الفراغ، وأخذ المبادرة لصالح المسلمين كما فعل خالد رضي الله تعالى عنه في معركة مؤتة.
أيها المسلمون، كان العطاء في الأخلاق أيضاً، وفي حسن التعامل، هذا صحابي أقرض رجلاً، فلما جاء إلى بيته طرق الباب، فخرج ولد المستدين، فقال الصحابي: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقال: أخرج إليَّ، فقد علمت أين أنت، فخرج، فقال: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: والله أن أحدثك، ثم أكذب، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت والله معسراً، فقال الصحابي: آلله؟ فقال الرجل: آلله، فقال: آلله؟ يستحلفه على حقيقة أمره، قال: آلله، ثم أتى بصحيفته، فمحاها بيده، وقال: إن وجدت قضاءً فاقضني، وإلا أنت في حل.
ولأجل هذه السيرة بين الناس وفقهم الله عز وجل، وسهل أمورهم، فقد كان على الزبير بن العوام ديون عظيمة، وهو يقول لولده في أحد المعارك: “يا بني، إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً، وإن من أكبر همي لديني، ثم قال له: يا بني، إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي، يقول عبد الله ولده: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبتي من مولاك الذي تريدني أن أستعين به؟ من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعت في كربة من دين بعد وفاة أبي إلا قلت: يا مولى الزبير، اقض عنه دينه فيقضيه” رواه البخاري، وخلف ملايين قسمت بين زوجاته وأولاده.
الصحابة جادوا بالمال، المال ما كان له عندهم قيمة، ما كانوا منجذبين إليه انجذاباً يمنعهم عن إخراجه في سبيل الله، فتصدق عمر بنصف ماله، وتصدق أبو بكر بكل ماله، وإن الصحابة رضي الله تعالى عليهم كانوا في غاية الورع، فأبو بكر يستقي، ويخرج كل ما في بطنه خشية أن يكون عليه شيء بعدما أكل طعاماً من كسب عبده لا يدري عنه أصلاً، لكن لما أخبره بمصدره استقاء كل ما في بطنه.
ومن صور المحبة بين الصحابة ما حكي عن قبيلة الأشعريين، القبيلة التي منها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، هذه القبيلة كان لها عادة جميلة جدا، فالرسول عليه الصلاة والسلام علق على هذه العادة، وشكر في هذه العادة، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ – يعني فني زادهم وطعامهم– أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ– سواء كانوا في سفر أو في غزو أو حتى وهم داخل المدينة– جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيِّةِ“.ويعلق الرسول فيقول: “فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ“.
ومع أن الأشعريين من اليمن، لكن فعلتهم هي التي رفعت درجتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ايضا ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه أن الناس قحطوا في زمان أبي بكر، وفي هذا الوقت جاءت قافلة لعثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة المنورة، جاءت هذه القافلة فتسارع التجار لشراء هذه القافلة الكبيرة، فسألهم عثمان: كم تربحوني؟
قالوا: العشرة اثني عشر. قال: قد زادني على هذا الربح.قالوا: فالعشرة خمسة عشر.وهذا ربح ضخم جدا، أمام كل عشرة دراهم سيكون المكسب خمسة عشر درهم، قال:قد زادني.قالوا: من الذي زادك ونحن تجار المدينة؟قال: الله عز وجل زادني بكل درهم عشرة، فهل لديكم أنتم المزيد. ثم قال: اللهم إني وهبتها فقراء المدينة.بلا ثمن، وبلا حساب تبرع بكل القافلة الضخمة إلى فقراء المدينة.
ولم يكن التعبير عن المحبة بين الصحابة ماديا فقط بل كان الصحابي يعين إخوانه على الطاعة، على طاعة الله عز وجل، روى البخاري أن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه كان يقول للرجل من إخوانه: اجلس بنا نؤمن ساعة.
وأخرج الطبراني، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح.عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكف، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. – وأمر الاعتكاف أمر هام جدا، وأمر خطير جدا، والمؤمن لا يخرج من الاعتكاف إلا لضرورة شديدة- فآتاه رجل، فسلم عليه، ثم جلس، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: يا فلان أراك حزينًا.
قال: نعم يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان علي حق، وحان أجله، وليس معي ما يقضيه.
فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إن أحببت أن أكلمه لك.
ولم يكن معه مال ليساعده بالإنفاق، ولكن أكلم الرجل ليصبر عليك، فقال الرجل: نعم.
فخرج ابن عباس رضي الله عنهما من اعتكافه ليقضي حاجة الرجل، فقال الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ أي الاعتكاف
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت صاحب هذا القبر، الكلام والعهد به قريب، فدمعت عين ابن عباس رضي الله عنهما فدمعت عيناه وهو يقول، وهذا الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم: “مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، وَبَلَغَ فِيهَا – أي قضاها– كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ“.
ومن محبتهم لبعضهم البعض ايضا ان الصحابي كان لا يقبل أن يقال في حق أخيه كلمة فيها قدح، أو فيها جرح، وهو غائب ويرد غيبة أخيه، ويدافع عنه، فقد روى أبو داود، وأحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وعن أبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنه أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَا مِنْ امِرِئٍ يَخْذِلُ امْرَأً مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتَهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتِهِ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نَصْرَتَهُ“.وهذا ما ترسخ فهمه لدى الصحابة، فلهذا لم يقبل الصحابي أبدا أن أحدا من الصحابة يُجْرح إلى جواره بكلمة، أو بقدح، أو بطعن، ولا يرد.
عباد الله فادا كان الصحابة رضوان الله عليهم يتحابون ويتراحمون فيما بينهم واذا علمنا ان النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحبهم، وأمرنا بحبهم، وجعل علامة الإيمان حبهم، فقال: ” آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار” رواه البخاري.. فالواجب يحتم علينا ان نحبهم وان نذكر فضائلهم ونوقرهم وان نعتبر حبهم عبادة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله ” رواه البخاري..
فكيف لا نحبهم وهم أعلام اختارهم الله لنصرة دينه ورسوله فكانوا نعم النصير، وحملوا نشر الإسلام فأحسنوا التبليغ فجزاهم الله عن الإسلام وأهله أعظم ما يجازي به كريم من يحب ورفع درجاتهم في عليين وزادهم مع رضاه عنهم رضيً.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة: 88 – 89]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
ان من أكبر المفاسد في أي مجتمع أن يتربى أفراده على الكراهية فيما بينهم ، وأشد منها أن تصبح الكراهية ثقافة عامة لدى فئة من فئات المجتمع ضد من يعيش معهم أو ضد غيرهم، فذلك سبب لفساد عريض في حياة ذلك المجتمع إذ يقع بينهم التدابر والتباعد والتحاسد والشحناء والكيد والخصومة ، وقد نهى رسول الله (ص) عن هذه الأمراض العضال إذ يقول : (لاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً ) رواه أحمد
فثقافة الكراهية هي التي أوجدت الحروب والمآسي بين الدول ، وأوجدت الفتن بين الذين يعيشون في المجتمع الواحد.ومن مصائب ثقافة الكراهية أن روح الكراهية لا تقتصر على تعاملات أصحابها مع غيرهم ، بل تنعكس على تعاملاتهم فيما بينهم لأن هذه الثقافة تصبح خلقا وعادة ، فتشيع بين المتثقفين بثقافة الكراهية الحقد والحسد والكذب والبغضاء والنفاق وغيرها من الأخلاق الذميمة التي يكرهها الله تعالى ويكرهها رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ويكرهها عباد الله الصالحين .
فصفاءَ القلوب وسلامة الصدور ونقاء السريرة صفات محمودة، دعا الدين الحنيف إليها، ومدح المتصفين بها، وأثنى عليهم، وبيَّن فضلهم وعلُو درجاتهم ورفعة منازلهم، إذ هي أخلاق المسلم وخلال المؤمن التي من شأنها تقوية الصلة وتوثيقها بين أفراد المجتمع، وتكوين رابطة مثلى، تنشر الرحمة والعطف والود بين كافة فئات المجتمع.فالقلب حين يكون نقيًا من الشحناء، سليمًا من البغضاء، خاليًا من الحقد والكراهية والضغينة، فهو القلب العطوف الذي أُتْرِع بالرحمة، وملئ بالحنان والشفقة، إنه القلب الذي ينبع بمحبة الخير وأهله، وصنع المعروف وبذله، يتتبع مواطن البر والإحسان، ويتفقد المحتاجين في مجتمع الإيمان.
القلب النقي من الحقد والكراهية هو القريب من الناس، المحبوب عندهم، المرغوب في القرب منه والتعامل معه؛ لأن ما في داخله ظهر على وجه صاحبه، واتضح في سلوكه وتعامله، فهو بعيد عن التقلب والتلون، ليس من عادته المكر والخداع، ولا المراوغة والتصنُّع.
قال تعالى: وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا [الحشر:9] أي: لا يحملون في قلوبهم حقدًا ولا حسدًا ولا ضغينة على إخوانهم ولا عداوة لهم.إن الحقد والكراهية يولّدان النفرة والاستثقال للآخرين وبُغْضَهم، والبعد عن الأخيار والطيبين وكراهتهم، وإظهارَ المساوئ وإخفاء المحاسن. والحطُّ من مكانة الناس وازدراؤهم أعمالٌ مذمومة، ومن سلِم من ذلك غفر الله تعالى له، روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ثلاث من لم يَكُنَّ فيه غفر الله له ما سواه لمن شاء: من مات لا يشرك بالله شيئًا، ولم يكن ساحرًا يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه)) رواه البخاري في الأدب المفرد.
فتطهير القلب من الحقد والضغينة ونظافة الصدر من السخيمة كل ذلك يدفع بالمسلم إلى رفعة الدرجات، وفوزه برضا رب الأرض والسموات، فيثيبه على ذلك أعظم الثواب، ويمنُّ عليه بالجنة أنفس مرغوب وأحسن مآب لان الكراهية من الصفات الذميمة التي تمزق عرى الصداقة، وتفرق القلوب المتآلفة والنفوس المتحابة؛ لأن القلوب إذا تآلفت ارتبطت برباط المحبة، وراعت حقوق الأخوة الإسلامية التي أكد عليها القرآن: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وحذر صلى الله عليه وسلم من المسببات الجالبة لتمزيقها وذهابها، يقول صلى الله عليه وسلم (إياكم والظنّ، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم..
وصلوا وسلموا على النبي المجتبى ورسول الهدى محمد، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه وتعالى- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْـــــــهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْـــــــدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَـــــــــــةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَـــــلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهـــــم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحـــــب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله واحفظه في ولي عهـــــــــده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأسرة العلوية الشريفة .
اللهم! إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى.
اللهم! طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وباعد بيننا وبين الكبر والعجب كما باعدت بين المشرق والمغرب، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.اللهم! آمنا في أوطاننا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب الدعوات.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين اللهم اسقنا وأغثنا اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك وانشر رحمتك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.
نستغفرك اللهم ونتوب إليك ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.