الحقوق المشتركة بين المسلمين (12) اتباع الجنازة -2-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحقوق المشتركة بين المسلمين (13)   اتباع الجنازة -2-

الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى  ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له، ونشهد لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، حث على التمسك بوحدة الأمة فقال في كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، أرسى دعائم أخوة المسلمين ببيان الحقوق المشتركة، في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمعة الماضية تكلمنا عن الحق السادس الحقوق المشتركة بين المسلمين، وهو حق اتباع الجنازة، والذي يعتبر أول حقوق الموتى على إخوانهم من الأحياء، وذكرنا فضل تشييع الجنازة، والمشي فيها، والأجر العظيم الذي يتحصل عليه المشيع بقيامه بهذا الواجب الذي أصبح الكثير منا يفرط فيه، أخرح الشيخان عن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين”. أيها الإخوة المؤمنون، لقد ذكرنا في الجمعة الماضية بأن هذا الحق واجب على الرجال دون النساء، ولو أن النساء شقائق الرجال في الأحكام كما هو مؤصل عند الفقهاء، لكننا الآن في زماننا هذا أصبحنا نرى النساء يزاحمن الرجال في تشييع الجنازة، وهن في حالة مزرية من إظهار شعورهن وصدورهن إلى جانب الصياح والعويل والبكاء بدعوى الحزن والجزع عن الميت، فلا يجوز لهن اتباع الجنائز لما يقع منهن من الصياح والنياحة ولطم الخدود وإزعاج الميت وتألم الحي، وقد وردت عدة أحاديث فيها مقال ولكن إذا جمعت إلى بعضها فإنها ترتفع إلى درجة الحديث الحسن كما هو مقرر عند المحدثين، من ذلك ما أخرجه الطبراني في الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على جنازة فجاءت امرأة بمجمر تريد الجنازة فصاح بها حتى دخلت في آجام المدينة. وعن أم عطية قالت: “نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا”، قال الحافظ ابن حجر: أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم، وقال القرطبي ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم، ومال مالك إلى الجواز، وهو قول أهل المدينة، أخرج الحاكم وابن ماجة عن سيدنا علي (ض) قال: “خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسلن؟ قلن:لا، قال: هل تحملن؟ قلن: لا، قال: هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال: ارجعن مأزورات غير مأجورات”،  وفي الصحيحين وعند الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي، كانت أمنا عائشة (ض) تقول: “لو إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأينا لمنعهن المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها”، هذا في زمن الرعيل الأول من الصحابة والصحابيات الذين تربوا في المدرسة المحمدية، فما ظنكم أيها الإخوة المؤمنون بنساء زماننا، وقد قال ابن الحاج المالكي وهو من علماء القرن السابع: واعلم أن الخلاف المذكور بين العلماء إنما هو في نساء ذلك الزمان – يعني زمن السلف الصالح. وأما خروجهن في هذا الزمن فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء ممن له مروءة أو غيرة في الدين بجواز ذلك. فهذا ابن الحاج يقبح ما كان عليه نساء زمانه، نساء القرن السابع، فما بالك بنساءنا اليوم؟  الائي يخرجن  كاسيات عاريات مائلات مميلات يخرجن نائحات هائمات لاطمات كاشفات الصدور والسيقان ناشرات الشعور صابغات الأيدي والوجوه وما إلى ذلك من الأمور التي يمكن أن تجنيها على نفسها من قبل المترصدين، الذين يترصدون هذه الفرص للظفر بصيد ثمين في أجواء ينبغي أن تطبع بالخشوع والخضوع، والتضرع لرب العالمين، أخرج الإمام أحمد عن أم حميد (ض) أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال صلى الله عليه وسلم: “قد علمت أنك تحُبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي” وروى بعض الحديث ابن المنذر في الأوسط، وقال بعده: فإذا كان هذا سبيلها في الصلاة، وقد أمرن بالستر، فالقعود عن الجنائز أولى بهن وأستر. والله أعلم. جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم  ونبيهم، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، إذا كان اتباع الجنازة من الحقوق الواجبة للميت على إخوانه من الأحياء، فإن المستفيد الأول من واجب العزاء هو أنت قبل أن يكون لصاحب المصيبة، فعن سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز و جل من حلل الكرامة يوم القيامة “. والعزاء تصبير أهل الميت في مصابهم وتذكيرهم بأجرهم عند الصبر وإن عظم أمر المصيبة عليهم فعليهم أن يتذكروا مصابهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم المصائب، والمقصود من التعزية : تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم بقضائها، قبيل الدفن و الدعاء لأهل الميت بالصبر والاحتساب والدعاء للميت بالرحمة والمغفرة وأن يذكروا محاسن الميت ويتجنبوا ذكر مساوئه لأنه أصبح في ذمة الله تعالى، ومفتقر إلى عفوه ورضوانه ومغفرته، وأما المشروع من ألفاظ التعزية  قول المعزي: جبر الله مصيبتك وأخلف عليك وغفر لميتك، أو أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك وغفر لميتك، ونحو ذلك . من الألفاظ التي توحي بجزيل الثواب والأجر لمن احتسب في المصيبة، ورضي بقضاء الله تعالى وقدره، ومن أحسنها ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته حينما كان ولدها في الغرغرة: “إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب” وعن أم سلمة (ض) قالت : سمعت رسول الله يقول : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : ” إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ، قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *